تجربتي مع التعليم والتدريب الألكتروني
تجربتي مع التعلم والتدريب الالكتروني
نشر في جريدة أخبار الخليج بتاريخ 23 أغسطس 2020
بقلم: الدكتور زكريا خنجي
منذ أن بدأ فيروس كورونا يلوح في األفق، ومنذ أن بدأت الدول تفكر في
اتخاذ بعض اإلجراءات االحترازية وتفكر في أن تطبق حظر التجوال والتقليل
من ممارسة األنشطة بمختلف أنواعها، عندها بدأت فكرة التعليم والتعلم
عن بُعد تلوح في األفق.
كانت – وهذه تجربة شخصية – المحاولة األولى لي بالتعليم والتدريب
اإللكتروني مع واحدة من الجهات التي كنتُ قد اتفقت معها – سابقًا – على
تقديم دورة لهم في القاعات الحقيقية في منتصف مارس 2020 .إال أن
جائحة كورونا سبقتنا، لذلك وجدت الجهة المعنية أن تقديم البرنامج عن
بُعد أفضل وذلك تنفيذًا إلجراءات الحظر، وكان السؤال المطروح األهم، كيف
يمكن تنفيذ هذه التجربة علمًا بأننا في مارس 2020 ولم تنتشر الفكرة بعد؟
استعنا بأحد اإلخوة المتخصصين في تقنية المعلومات، وبالفعل تم
تسهيل أمور االتصال والتواصل عبر الشبكة، ولكن الموضوع هنا ليس
الشبكة فقط وإنما كان الموضوع يختلف تمامًا، إذ إننا في القاعات
الحقيقية نتواصل مباشرة مع المتدربين، فنستخدم لغة الجسم والقدرات
2
الصوتية ومخارج الحروف وما إلى ذلك من تنوع نحتاج إليه بصورة مباشرة
في عمليات التدريب والتواصل البشري، باإلضافة إلى أننا نوزع األنشطة
فيقومون بتنفيذها، ثم نقيّم إنجاز النشاط، ومثل هذه األمور التي تحتاج
إلى التواصل المباشر مع المتدربين، وكذلك في القاعات الحقيقية نستخدم
باإلضافة إلى العرض اإللكتروني باستخدام البوربوينت فإننا نستخدم
السبورة وكل األدوات الموجودة في القاعة، ففي بعض األحيان نكتب على
السبورة وأحيان أخرى نعمل بطريقة المجموعات، وأمور كثيرة، لذلك كان
التحدي األكبر الذي واجهنا – كمدربين – كيف يمكن تحويل هذه القاعات
االفتراضية إلى قاعات شبه حقيقية ؟
فنحن هنا نتحدث عن دورة تدريبية وليس محاضرة
عمومًا، بطريقة أو بأخرى تم إنجاز الدورة التدريبية مع الجهة المعنية، وكان
الرضا عاليًا عند الجهة وعند المتدربين، إال أنني شعرت بأن الموضوع لم
يكتمل في ذهني.
بعد ذلك بدأنا فعالً بتقديم بعض الدورات والمحاضرات هنا وهناك عبر
تطبيق )زووم( عن بُعد، سواء لبعض الجهات في البحرين أو خارجها، ولكن
مازال السؤال المطروح لم يُحل في ذهني: كيف يمكن التدريب اإللكتروني
عن بُعد ؟ ولكن بصورة عامة فإن هذه المرحلة التي امتدت حتى منتصف
أبريل 2020 كانت تجربة جيدة وخبرة تراكمية حاولنا أن نستفيد منها لوضع
3
بعض الحلول لعمل دورة تدريبية متكاملة في عدة موضوعات عبر التدريب
اإللكتروني.
وفي حوالي منتصف أبريل 2020 ،اتصل بي أخي وصديقي وأستاذي الدكتور
أحمد البدري المدير العام للبورد العربي لالستشارات والتدريب والتنمية
البشرية يستطلع رأيي في عمل برنامج تدريبي لمنح شهادة دبلوم
اختصاصي مدرب في التعلم والتدريب اإللكتروني.
في الحقيقة إنها فكرة ليست جيدة فحسب بل إنها فكرة المعة ومبتكرة؛
وهو منح المشاركين دبلوم مدرب في التعلم والتدريب اإللكتروني،
فتحدثنا كثيرًا وناقشنا البرنامج عدة مرات ومرات، ووجدنا أن الدورة ال يمكن
إنجازها خالل سويعات قليلة، فالتعلم والتدريب اإللكتروني عالم كبير
وزاخر بالكثير من المهارات والمعلومات، فهي تعتمد على التقنيات
الحديثة، وهذه النوعية من التقنيات والعلوم والمعرفة تتطور كل يوم وكل
ساعة، فكيف يمكن اإللمام بها كلها، وماذا يمكن تقديمه وما الذي ال
يفضل تقديمه ؟
ومن جانب آخر، ما المحتوى العلمي الذي يمكن أن يُقدم بحيث يمكن تخريج
مدربين في التعلم والتدريب اإللكتروني ؟ وكذلك فإن هذا المحتوى يجب
تنفيذه من خالل منصات التعلم اإللكتروني.
4
كل هذه األسئلة والعديد من األسئلة األخرى كانت في البداية هاجسًا
وتخوفًا، ولكن كان الدكتور البدري عازمًا على تنفيذ البرنامج بطريقة أو
بأخرى وخاصة أن الوطن العربي في هذه المرحلة يحتاج إلى هذا النوع من
المدربين الذين يمكن أن يأخذوا على عاتقهم المضي قدمًا في سبيل
تحقيق هذا النوع من التعليم والتدريب، حسنٌ مازال الموضوع قيد
المناقشة.
وخالل تلك الفترة وضعنا برنامجنا العلمي لمحتوى الدورة على عدة
موضوعات وعدة مستويات ذات عالقة، ولكن المهم في كل هذا الموضوع
أننا تمكنا من تحويل المادة العلمية التي يمكن تقديمها في القاعات
الحقيقية إلى قاعات افتراضية، إذ حاولنا أن نحقق األنماط الثالثة في
العملية التعليمية، وهي: النمط البصري، والنمط السمعي والنمط الحسي،
وكان من أصعبها النمط الحسي الذي يبنى على الحواس الخمس ومنها
حواس اللمس والشم وما إلى ذلك، إذ وجدنا أنه من الممكن إدراج النمط
الحسي في التعلم والتدريب اإللكتروني الذي عادة ما يتم عن بُعد وعبر
األسالك والقنوات االفتراضية.
وعندما تم اإلعالن عن البرنامج في حوالي أواخر أبريل 2020 فوجئنا بالكم
الهائل من المسجلين في البرنامج على مستوى العالم العربي، من معظم
الدول العربية، والغريب أن هذا الكم الكبير كان من ضمنهم أساتذة
جامعات وأطباء ومستشارون ومدربون وخليط كبير من المثقفين
5
والمتعلمين الذين يريدون أن يكتسبوا هذه المهارة التي تُعد جديدة نوعًا
ما في العالم العربي، وبالفعل بدأنا البرنامج، وبالنسبة لي كان إنجاز هذا
المستوى من أكثر اإلنجازات الرائعة والمهمة التي قمنا بها خالل السنوات
الماضية.
تكرر هذا المستوى األول حوالي 10 مرات، وذلك بسبب هذا التهافت الكبير
على الدورة على مستوى الوطن العربي، وبالفعل أصبحت دورتنا – على األقل
دورتي أنا – أكثر احترافية وأكثر جودة، بسبب التجربة وتراكم التجربة
والخبرة والمعلومات. ثم قدمنا المستوى الثاني واليوم نحن نستعد
للمستوى الثالث من دورة إعداد مدرب للتعلم والتدريب اإللكتروني )أو
المدرب اإللكتروني كما يحب الدكتور أحمد تسميتهم(. وكذلك قمنا مع
البورد العربي بإقامة أربع ندوات للتعلم والتدريب اإللكتروني وذلك من أجل
التنظير وتأطير التعلم والتدريب اإللكتروني شارك فيها سواء كمتحدثين
أو كحضور أعداد غفيرة من المعلمين واألساتذة من الوطن العربي وكان
لمشاركتهم إثراء كبير في تأطير هذا الموضوع لذلك قررنا أن ندون ونوثق
كل تلك األطروحات في كتاب لنوثق هذا العلم وهذه المعرفة لكل الراغبين
في االستفادة منها.
ثم توالت الدورات التدريبية عبر منصة التعلم والتدريب اإللكتروني عن
بُعد، وحتى اليوم أعتقد أني قدمت حوالي 40 دورة تدريبية وهذا الرقم من
6
غير المحاضرات واللقاءات التي نقدمها لإلخوة والزمالء في الوطن العربي
الكبير.
هذا الكم الكبير من الدورات التدريبية والمحاضرات واللقاءات نحسب أنها
كانت بالنسبة لنا ذخيرة خبراتية وتراكمية جيدة في التعلم والتدريب
اإللكتروني، يجعلنا يمكن أن نقول إنه إذا كنا نريد تطبيق وتنفيذ هذه
النوعية من التعليم والتدريب علينا في بادئ األمر أن نقوم باألمور التالية:
1 .نُعيد بناء وتركيب المناهج لتناسب هذه المنصة، فال يمكن أن نقوم
بالتدريس عبر المنصة اإللكترونية والمناهج مازالت مكتوبة
ومرسومة بحسب األنظمة الورقية والسبورة وما إلى ذلك، فنحن
اليوم نحتاج إلى إعادة صياغة المناهج من جديد.
2 .عند إعادة صياغة المناهج الدراسية والتدريبية يجب على المختصين
المكلفين في إعادة الصياغة أن تبنى كل تلك المعرفة على األسس
العلمية التربوية، مثل الفروق الفردية، األنماط التعليمية الثالثة،
والمنهج التفاعلي اآلني وما إلى ذلك، إذ إنه يجب أال تهمل مثل هذه
األسس العلمية التربوية.
3 .إعادة تقييم طرق التالميذ والطلبة – أيًا كان مستواهم التعليمي –
سواء قمنا بعمل التقييم بحسب األنشطة والواجبات أم قمنا بعمل
اختبارات تقييمية في نهاية كل فصل دراسي، وذلك من أجل ضمان
الجودة والتأكد – كما وجدنا ذلك في التخوف الكبير على مستوى
7
الوطن العربي – من عدم مشاركة الوالدين في حل االختبارات
والواجبات وما إلى ذلك بدالً من الطلبة.
4 .أنشطة المقرر أو األنشطة التي تعطى في الدورات التدريبية يجب أن
تعاد صياغتها كذلك، بحيث تتناسب مع هذه المنصة اإللكترونية،
ومن ذلك األنشطة العلمية، فال نقول إن األنشطة العلمية ال يمكن
تنفيذها عبر المنصة اإللكترونية بل على العكس فهناك العديد من
الوسائل والطرق يمكن ممارستها عبر هذه المنصة، ولكن كل الذي
نحتاج إليه هو أن نفكر وأن نؤطر وننظر.
5 .على الجهات التي تريد استخدام هذه المنصة اإللكترونية أن توفر
مكتبة مكونة من الكتب، األفالم، األرشيف وكل المواد واألدوات
العلمية وكل ما يحتاج إليه الطالب والمتدرب على مدار الساعة، فقد
يحتاج إليها الطالب في أي وقت من النهار أو الليل، لذلك من الضروري
أن تكون متوافرة لكي تسهم في إثراء المادة العلمية أو البحث العلمي
أو المناهج، وما شابه ذلك.
عمومًا، هذه بعض األمور التي نعتقد أنها مهمة، ومن الطبيعي أن هناك
أمورًا أخرى أيضًا مهمة وتحتاج إلى إعادة النظر حال التفكير والتوجه إلى
التعلم والتدريب اإللكتروني.
وفي الحقيقة فإن التدريب والتعلم اإللكتروني على الرغم من كل
الصعوبات التي واجهتنا في البداية، فإننا بعد التغلب عليها وإعادة كتابة
8
وتنظيم حقائبنا التدريبية والتعليمية وجدنا أنها ممتعة وتجربة ثرية،
فقد حاورنا من خاللها ودربنا وناقشنا على المستوى الوطن العربي وبكل
المستويات نخبة من المفكرين والدارسين، فاكتشفنا أمورًا وحقائق عن
وطننا العربي الكبير لم نكن نعرفها من قبل، فنحن فعالً كنا في فضاء
افتراضي مفتوح.
عمومًا، مازلنا نعطي دورات تدريبية عبر هذه المنصة اإللكترونية الرائعة
الجمال، وسنستمر ألنها فعالً أتاحت لنا مجاالً كبيرًا للتفكير وإعادة التفكير
باإلضافة إلى اللقاء بإخوة وأخوات على مستوى الوطن العربي أصحاب
عقول فذة وراقية كانت محبوسة في الحدود الجغرافية المصطنعة، وها
نحن نلتقي في الفضاء االفتراضي الواسع
2020-08-27
عدد المشاهدات: (2375)